2011/03/24
* حاتم رشيد
جاء انتصار الثورة في تونس مفاجئاً, يتميز بالتصميم, واخيراً كلل بالنصر, ثم ظفرت الثورة المصرية بنصر عظيم بتكلفة محتملة. وبدا وكأن مسلسل التغيير سيتم بسلاسة, ومن دون سفك دماء في الدول العربية الاخرى, لكن الثورات السلمية اوقفت مسارها في ليبيا. امام الاشارة الحمراء للعقيد القذافي.
وبسرعة اخذت مسارها الجديد, مساراً دموياً انقسم فيه البلد على نفسه, انقسمت الجغرافيا الى شرقية وغربية, وانقسم الشعب , قسم مع القائد, والاخر ضد الطاغية, وظهر ان القذافي يحظى بدعم والتزام يفوق المتوقع. إن القوات المسلحة على اختلاف تسمياتها ظلت باغلبيتها موالية له بثبات, والقذافي نفسه لم يظهر استعداداً لرحيل هادئ. ان استعداده للقتال لا يستهان به, لقد انتقلت الحركة الاجتماعية السلمية الى السلاح باسرع مما ينبغي, وربما بخلل جسيم في الحساب.
نحن اليوم امام حملة عسكرية مدمرة ينفذها الحلف الاطلسي مع تميز المشاركة الفرنسية والتبرير المعلن هو اخلاقي انساني يتستر بزعم حماية المدنيين من دموية النظام, وهو زعم طالما اثبتت الشواهد القريبة والبعيدة كذبه ونفاقه.
تظهر الحملة وكانها تدمر بلداً نسب كله الى شخص واحد اسمه القذافي.
تستند الحملة الى قرار هيئة الامم المتحدة المدعوم من جامعة الدول العربية.
ان الليبيين امام خطر استبدال طاغية بمستعمر اجنبي, كما ان العالم العربي من خلال الجامعة العربية جانب الصواب عندما وفر الغطاء الادبي للحملة العسكرية.
كان حرياً بالدول العربية ان تتدخل بنفسها في ليبيا وليس الطلب عملياً من حلف الاطلسي بالتدخل وعلى هواه وبالالة العسكرية المعروفة بطشاً ووحشيه.
ومهما يكن موقفنا كمواطنين عرب من القذافي, الا اننا لن نقبل بتدمير بلد عربي بحجة محاربة القذافي, القذافي لم يكن محبوباً من شعبه, وكطاغية مستبد لا نملك اساساً اخلاقياً لمساندته الا اننا نعتقد ان هناك حلولا اخرى ممكنة و مجدية.
تقف ليبيا امام اخطار جدية:
- التقسيم وارد على الاقل ليبيا شرقية وليبيا غربية.
- تواجد عسكري اجنبي على الارض.
- تحول ليبيا بدرجة او باخرى الى مركز استقطاب لعناصر وقوى متشددة تحيلها الى ساحة حرب مفتوحة.
- تحول ليبيا الى مصدر للنشاط المسلح التمردي في الاقطار العربية المجاورة كالجزائر وتونس.
- ربما توفرت الشروط السانحة مع هذا التدخل لعودة اعمال العنف لشوارع المدن الاوروبية.
- خلق المزيد من التوتر في الدول الافريقية جنوب الصحراء.
ان التأثير المحصل قد يكون خلق حالة من الفوضى المسلحة والدموية في اقطار المغرب العربي ودول جنوب الصحراء الافريقية, وسيخلق النفوذ الفرنسي تحديداً ضغطاً لا يسهان به على ملف العلاقات الفرنسية الجزائرية المعقد للغاية. ورغم قسوة المشهد الليبي وتعقيده الراهن, وتورط قوى محلية واقليمية ودولية فيه. الا ان الاطراف العربية الرسمية والشعبية. مدعوة للمشاركة بتقليل الاضرار. ومحاصرة النتائج السلبية المحتملة من خلال:
- الدعوة الى وقف القتال تلتزم به كافة الاطراف. وهذا نداء يجدر ان توجهه جامعة الدول العربية.
- لجنة وساطة عربية رسمية واخرى شعبية تهيئ لاستقالة العقيد القذافي, وتشكيل لجنة تسيير مؤقتة, كلجنة انقاذ وطني. تحضر لمؤتمر وطني ليبي عام, يقدم دستوراً جديداً للبلاد, يعرض على استفتاء وطني.
- تتولى لجنة الانقاذ الوطني الدعوة لانتخابات برلمانية في غضون ستة اشهر يعقبها انتخابات رئاسية.
- تقدم هيئات دولية كجامعة الدول العربية والاتحاد الافريقي وهيئة الامم المتحدة الضمانات لكافة الاطراف المحلية.
تبرز الاحداث في ليبيا خطر تدويل الثورات العربية, وهذا الخطر الداهم في ليبيا يطل برأسه في اكثر من قطر عربي, وتبدو البحرين مع الاسف المحطة التالية لهذا التدويل.
ان انتصار الثورات العربية سيغدو بمذاق الهزيمة, اذا جر كل هذه التدخلات الاجنبية. لم يفت الوقت بعد لتدارك المأساة الليبية شريطة موقف عربي رسمي وشعبي مسؤول.