ارفع رأسك يا مصرى
بقلم د. عمرو الشوبكى ٣/ ٢/ ٢٠١١حدثت الثورة فى مصر من حيث لا يحتسب الكثيرون، وخرجت ملايين الشعب المصرى من أجل الحرية والعدالة والكرامة، وفعل المصريون كما فعل التوانسة لينهوا ما سمى «بالاستثناء العربى» من الديمقراطية والحياة الكريمة.
نعم لقد قام الشعب المصرى العظيم وشبابه الرائع بالثورة العظمى فى تاريخه الحديث، وأثبت قدرته على إسقاط نظام استبدادى أهانه على مدار ثلاثة عقود، وأكد أن مصر التى قلنا عنها مرارا إنها تتغير من «أعلى» منذ محمد على مؤسس الدولة المصرية الحديثة، مرورا بأحمد عرابى وجمال عبدالناصر، تغيرت بالناس والجماهير، لتسطر ملحمة جديدة فى تاريخ مصر الحديث وتؤسس لشرعية جديدة للنظام السياسى المصرى.
إن هذه الثورة التى قادها شباب تجاوز بخطوات واسعة نخبته وقواه وأحزابه السياسية وقدم ثورة شعبية ستغير ليس فقط من شكل نظامها السياسى إنما أيضا من نمط العلاقات القائم على القهر والمهانة الذى عاشه الشعب فى ظل عهد مبارك.
إن مصر الجديدة لن تسمح بأن يكون هناك قتيل كل أسبوع فى أقسام الشرطة، ولن تسمح بتدخل جهاز أمن الدولة فى قتل السياسة ومحاصرة المجتمع المدنى واختيار عمداء الكليات والوزراء، وقهر الناس بالنظر لكل مواطن على أنه متهم حتى يثبت الولاء.
إن ثورة هؤلاء الشباب ستغير من علاقة كل مرؤوس برئيسه، وستفتح الباب أمام إنهاء صور القهر والمذلة التى رأيناها لعقود بين كل من جلس على كرسى (مهما كان صغره وتفاهته) وبين الناس، وستقضى على هذا الإرث الفرعونى الذى حكم كثيراً من علاقاتنا الاجتماعية والسياسية.
إن المواطن المصرى الذى عرفناه حاضرا فى أخبار حوادث الطرق، وتحت البيوت التى تنهار على ساكنيها، وفى العبّارة التى راح ضحيتها أكثر من ألف مواطن، وفى زنازين الأقسام والمعتقلات، هذا المواطن الذى تحمل قهرا واستعلاء امتد لأكثر من ثلاثين عاما، عاد ثائرا على أوضاعه، ومقدما ملحمة جديدة حطمت الصورة النمطية التى راجت عنه لعقود من الزمان.
لقد أسقط ثوار مصر «كليشيهات» كثيرة كرسها النظام، وقدم وجها حضاريا عظيما عن هذا الشعب، فكان متحضرا لأقصى درجة فى مظاهرته المليونية بميدان التحرير، فلا حادثة تحرش واحدة ولا اعتداء واحداً تعرضت له الممتلكات العامة أو الخاصة، فى مقابل أنصار النظام من بلطجية الانتخابات وأرباب السوابق الذين لم يجد غيرهم ليطلقهم على الناس.
إن أى نظام سياسى فى العالم قادر على أن يخرج من الناس أفضل أو أسوأ ما فيهم، والحقيقة أن ثورة الشعب المصرى أثبتت أصالة هذا الشعب وكيف أنها أخرجت أفضل ما فيه من قيم راقية ومتحضرة وعناد هائل من أجل انتزاع حريته، وكيف أن نظام الحكم الذى جثم على صدور الناس أخرج من بعضهم أسوأ ما فيهم.
فنحن أمام نظام لا يتمتع فقط بالفشل السياسى، إنما أيضا بفشل اقتصادى واجتماعى وأخلاقى غير مسبوقين، فقد نجح فى ضم موالين معدومى الكفاءة وفاسدين ومثلوا امتداداً وفيا للبلطجية الذين أطلقهم على الناس، فى مشهد يوضح حجم الفارق بين أغلبية عظيمة من هذا الشعب تتمتع بالاحترام والرقى والنبل والكرامة، وأخرى قدرت ببضعة آلاف خرجت تتحدث بنفس اللغة التى يتحدث بها الرئيس مبارك «خلونا ناكل عيش» حتى لو أوهمنا كل يوم وسرقنا الفاسدون كل ساعة، فالحل هو فى الخنوع والاستكانة، وانتظار «المنحة ياريس».
إن رأس هؤلاء الشباب المرفوع ضد الظلم والاستكانة قدم «مصرى جديد» يؤسس لشرعية جديدة لعصر المواطن لا الرعية، ويعيد الأمل للمصريين الذين لم يعرفوا منذ حرب أكتوبر معنى إيجابياً واحداً حتى لو كان المهنية فى العمل، أو الإنجاز السياسى والاقتصادى، فلم نر إلا أحمد عز وعالمه الافتراضى يبرر التزوير ويقننه، ورئيساً لا يتحرك لمواجهة أى شكوى للمواطن المصرى إنما فقط لحماية أمنه ونظامه، وحاشية سوء وأجهزة أمن لم تقدم للشعب المصرى قيمة واحدة تجعله يتغاضى عن استبداد النظام لصالح العدالة أو الكرامة، إنما هو قهر لصالح شلة توريث وعصابات المنتفعين، وحتى الدولة التى بناها وافتخر بها على مدار عقود تحولت إلى عزب ومماليك كل منها ليس أمامها إلا قهر الناس.
لقد دخلت الثورة المصرية الجديدة التاريخ من حيث لم يحتسب الكثيرون، وقدمت واحدة من أروع الثورات الشعبية التى فيها من سمات الشعب المصرى المسالم والمتسامح الكثير، ونجحت فى تحويل أحلام كثير من الشعوب إلى حقيقة وشعر أبوالقاسم الشابى إلى واقع يمتد من تونس إلى مصر. إن ثورة مصر لم تصنعها التنظيمات ولا الأحزاب السياسية التى همّشها النظام إنما جماهير الشعب، وقادها شباب فى العشرينات قدم ملحمة جديدة وغير مسبوقة فى تاريخ مصر الحديث، ورفع شعارات مدنية غابت فى مراحل سابقة وأكدت التغيير والحرية والعدالة الاجتماعية، فى رسالة واضحة لكل العالم تقول إن من اختزلوا البلاد فى الحزب الوطنى والإخوان كانوا واهمين، وإن من اعتبروا إن الإخوان المسلمين غير قابلين للدمج فى العملية السياسية والديمقراطية كانوا مخطئين، وإن من قالوا إن ما تشهده مصر ثورة إسلامية على الطريقة الإيرانية (كما ذكر رئيس وزراء إسرائيل)، وليس ثورة مدنية، هو كذب واحتيال.
نعم لقد تغيرت مصر وولدت من جديد وصنع الشعب المصرى ملحمة من نور سطرتها دماء الشهداء وشبابه المخلص الذى يجب أن نفتخر به ونعرف أنه رغم كل حملات التشويه المنظم الذى انهالت عليه على مدار ثلاثين عاما فإنه تحرك وصنع ثورة جعلت كل مصرى الآن يمشى مرفوع الرأس مفتخرا بمصريته، وأننا شعب عظيم وأمة عظيمة وأن المستقبل سيشهد ميلاد مصر المواطنين لا الرعايا، مصر الفاعلة لا المفعول بها، مصر المحترمة الكريمة بشعبها العظيم وشبابها البطل.
بقلم د. عمرو الشوبكى ٣/ ٢/ ٢٠١١حدثت الثورة فى مصر من حيث لا يحتسب الكثيرون، وخرجت ملايين الشعب المصرى من أجل الحرية والعدالة والكرامة، وفعل المصريون كما فعل التوانسة لينهوا ما سمى «بالاستثناء العربى» من الديمقراطية والحياة الكريمة.
نعم لقد قام الشعب المصرى العظيم وشبابه الرائع بالثورة العظمى فى تاريخه الحديث، وأثبت قدرته على إسقاط نظام استبدادى أهانه على مدار ثلاثة عقود، وأكد أن مصر التى قلنا عنها مرارا إنها تتغير من «أعلى» منذ محمد على مؤسس الدولة المصرية الحديثة، مرورا بأحمد عرابى وجمال عبدالناصر، تغيرت بالناس والجماهير، لتسطر ملحمة جديدة فى تاريخ مصر الحديث وتؤسس لشرعية جديدة للنظام السياسى المصرى.
إن هذه الثورة التى قادها شباب تجاوز بخطوات واسعة نخبته وقواه وأحزابه السياسية وقدم ثورة شعبية ستغير ليس فقط من شكل نظامها السياسى إنما أيضا من نمط العلاقات القائم على القهر والمهانة الذى عاشه الشعب فى ظل عهد مبارك.
إن مصر الجديدة لن تسمح بأن يكون هناك قتيل كل أسبوع فى أقسام الشرطة، ولن تسمح بتدخل جهاز أمن الدولة فى قتل السياسة ومحاصرة المجتمع المدنى واختيار عمداء الكليات والوزراء، وقهر الناس بالنظر لكل مواطن على أنه متهم حتى يثبت الولاء.
إن ثورة هؤلاء الشباب ستغير من علاقة كل مرؤوس برئيسه، وستفتح الباب أمام إنهاء صور القهر والمذلة التى رأيناها لعقود بين كل من جلس على كرسى (مهما كان صغره وتفاهته) وبين الناس، وستقضى على هذا الإرث الفرعونى الذى حكم كثيراً من علاقاتنا الاجتماعية والسياسية.
إن المواطن المصرى الذى عرفناه حاضرا فى أخبار حوادث الطرق، وتحت البيوت التى تنهار على ساكنيها، وفى العبّارة التى راح ضحيتها أكثر من ألف مواطن، وفى زنازين الأقسام والمعتقلات، هذا المواطن الذى تحمل قهرا واستعلاء امتد لأكثر من ثلاثين عاما، عاد ثائرا على أوضاعه، ومقدما ملحمة جديدة حطمت الصورة النمطية التى راجت عنه لعقود من الزمان.
لقد أسقط ثوار مصر «كليشيهات» كثيرة كرسها النظام، وقدم وجها حضاريا عظيما عن هذا الشعب، فكان متحضرا لأقصى درجة فى مظاهرته المليونية بميدان التحرير، فلا حادثة تحرش واحدة ولا اعتداء واحداً تعرضت له الممتلكات العامة أو الخاصة، فى مقابل أنصار النظام من بلطجية الانتخابات وأرباب السوابق الذين لم يجد غيرهم ليطلقهم على الناس.
إن أى نظام سياسى فى العالم قادر على أن يخرج من الناس أفضل أو أسوأ ما فيهم، والحقيقة أن ثورة الشعب المصرى أثبتت أصالة هذا الشعب وكيف أنها أخرجت أفضل ما فيه من قيم راقية ومتحضرة وعناد هائل من أجل انتزاع حريته، وكيف أن نظام الحكم الذى جثم على صدور الناس أخرج من بعضهم أسوأ ما فيهم.
فنحن أمام نظام لا يتمتع فقط بالفشل السياسى، إنما أيضا بفشل اقتصادى واجتماعى وأخلاقى غير مسبوقين، فقد نجح فى ضم موالين معدومى الكفاءة وفاسدين ومثلوا امتداداً وفيا للبلطجية الذين أطلقهم على الناس، فى مشهد يوضح حجم الفارق بين أغلبية عظيمة من هذا الشعب تتمتع بالاحترام والرقى والنبل والكرامة، وأخرى قدرت ببضعة آلاف خرجت تتحدث بنفس اللغة التى يتحدث بها الرئيس مبارك «خلونا ناكل عيش» حتى لو أوهمنا كل يوم وسرقنا الفاسدون كل ساعة، فالحل هو فى الخنوع والاستكانة، وانتظار «المنحة ياريس».
إن رأس هؤلاء الشباب المرفوع ضد الظلم والاستكانة قدم «مصرى جديد» يؤسس لشرعية جديدة لعصر المواطن لا الرعية، ويعيد الأمل للمصريين الذين لم يعرفوا منذ حرب أكتوبر معنى إيجابياً واحداً حتى لو كان المهنية فى العمل، أو الإنجاز السياسى والاقتصادى، فلم نر إلا أحمد عز وعالمه الافتراضى يبرر التزوير ويقننه، ورئيساً لا يتحرك لمواجهة أى شكوى للمواطن المصرى إنما فقط لحماية أمنه ونظامه، وحاشية سوء وأجهزة أمن لم تقدم للشعب المصرى قيمة واحدة تجعله يتغاضى عن استبداد النظام لصالح العدالة أو الكرامة، إنما هو قهر لصالح شلة توريث وعصابات المنتفعين، وحتى الدولة التى بناها وافتخر بها على مدار عقود تحولت إلى عزب ومماليك كل منها ليس أمامها إلا قهر الناس.
لقد دخلت الثورة المصرية الجديدة التاريخ من حيث لم يحتسب الكثيرون، وقدمت واحدة من أروع الثورات الشعبية التى فيها من سمات الشعب المصرى المسالم والمتسامح الكثير، ونجحت فى تحويل أحلام كثير من الشعوب إلى حقيقة وشعر أبوالقاسم الشابى إلى واقع يمتد من تونس إلى مصر. إن ثورة مصر لم تصنعها التنظيمات ولا الأحزاب السياسية التى همّشها النظام إنما جماهير الشعب، وقادها شباب فى العشرينات قدم ملحمة جديدة وغير مسبوقة فى تاريخ مصر الحديث، ورفع شعارات مدنية غابت فى مراحل سابقة وأكدت التغيير والحرية والعدالة الاجتماعية، فى رسالة واضحة لكل العالم تقول إن من اختزلوا البلاد فى الحزب الوطنى والإخوان كانوا واهمين، وإن من اعتبروا إن الإخوان المسلمين غير قابلين للدمج فى العملية السياسية والديمقراطية كانوا مخطئين، وإن من قالوا إن ما تشهده مصر ثورة إسلامية على الطريقة الإيرانية (كما ذكر رئيس وزراء إسرائيل)، وليس ثورة مدنية، هو كذب واحتيال.
نعم لقد تغيرت مصر وولدت من جديد وصنع الشعب المصرى ملحمة من نور سطرتها دماء الشهداء وشبابه المخلص الذى يجب أن نفتخر به ونعرف أنه رغم كل حملات التشويه المنظم الذى انهالت عليه على مدار ثلاثين عاما فإنه تحرك وصنع ثورة جعلت كل مصرى الآن يمشى مرفوع الرأس مفتخرا بمصريته، وأننا شعب عظيم وأمة عظيمة وأن المستقبل سيشهد ميلاد مصر المواطنين لا الرعايا، مصر الفاعلة لا المفعول بها، مصر المحترمة الكريمة بشعبها العظيم وشبابها البطل.